مدخل
النفس وما تهوى، إن أرضى الإنسان شهواتها تقوده لسباق الفئران (مكانك سِـر)! أو يتمكن منها فيقودها للنجاح والمستقبل الزاهر! هذا حالنا وواقع الكثير منا حينما تترسخ في أصل محركات تصرفاتنا كلمة "مالي خلق" أو "مو مشتهي" أو "صعبه" والكثير من تلك العبارات التي تعكس ردة فعل سلبية تعود علينا بالوقوف في أماكننا والاعتقاد أننا العقلاء الوحيدين، والناجحون يملكون قدرات خارقة خارجة عن إمكانياتنا
/
\
/
\
من عادة الإنسان أن ينتقد كل شيء حوله، إلا نفسه لا يفكر في انتقادها إلا قليلا، وكثيرا ما يرحمها خلال انتقاده ويجد لها العذر لكل أخطائها، لأنها نفسه وأقرب شيء إليه، ودوما ما يعتبر الإنسان الانتقاد إساءة بينما لا يميز بين الانتقاد بهدف الإصلاح والانتقاد بهدف الانتقاد وإيجاد العيوب والتفنن في تعظيمها وتجريم صاحبها أحيانا، لذلك يرحم نفسه من انتقاداته الشخصية ويغض الطرف عن عيوبه برغم إيقانه بأغلبها، وهذا ما يجرفه نحو تيار من الضغوط النفسية والمشاكل الذاتية والعاطفية والعملية والاجتماعية وغيرها، لأنه يجد نفسه غالبا أسيرا لعيوبه ويجد أنه معذور لأن تلك العيوب هي طباعه ومميزات شخصيته، بينما لا يميز بين مميزات الشخصية؛ وعيوب التصرفات الشخصية الخاطئة، وهذا ما يجلب الكثير من المشاكل بين أي شخصين يتعاتبان أو يتنصحان! فتجد الشخص ينصح صاحبه بينما يهب صاحبه في وجهه لائما لإهانته. ولا ننكر أن بعض الناس يتخذ من العنف أسلوبا في النصيحة، لكن مهما كان الأسلوب؛ فالأجدر بنا ان نتخذ الخير ونترك الشر حتى من أعز وأقرب الناس إلى قلوبنا، تجنبا للمشاكل، وتحسبا لمراعاة مشاعرهم.
متى ما عرف الإنسان كيف يحاسب نفسه وكأنه معلم يحاسب طلابه على أخطائهم، متى ما تحسنت أوضاعه الاجتماعية وازدادت ثقته في نفسه وازداد حب الناس له، وبالتالي تكون الابتسامة صديقة ملازمة لشفتيه، والبهجة مرسومة على ملامحه، نعم فمتى ما انتصر الإنسان على نفسه، فهذا أعظم نصر لأنه بذلك سوف يتمكن من هز العالم بأكمله، فقوة الإنسان تكمن في التغلب على النفس. الطبيب لم يدلل نفسه بالشهوات والملذات وسهر الليالي والتطرب باللقاءات الحميمة وجلسات الخلان أوالأخدان! ودائما ما تجد من يدرس الطب أقل أصدقائك حضورا لاجتماعات الاستراحات والمقاهي و"الكشتات"، رغم أن المقاطعة النهائية غير محبذة؛ ولكن الزيادة عن الحد المعقول غير محبذة أيضا. والمهندس لم يستمتع طوال وقته بجلسات الأصدقاء والسفريات المتتابعة وما إلى ذلك من وسائل الترفيه، بل ضغط على نفسه وانتصر عليها كي يحقق مراده وغايته السامية، وبالأخير بعد أن حقق مناه، استمتع بتحقيق هدفه واستمتع بعد ذلك بالوقت خارج عمله وخارج أشغاله! وكذلك الموظف المجتهد الذي أصبح في غضون سنوات مدير إدارة ثم مديرا إقليميا أو ما إلى ذلك من مناصب، اجتهد في عمله ولم يضيع وقت العمل في جلسات الغيبة و"الشاهي" والتدخين المتواصل، ولم يراكم أعماله ولو يؤجل عمل اليوم إلى الغد لأنه ليس له مزاج للعمل حاليا! فتجده بعد ذلك حقق مراده بالجدية والاجتهاد مع احترام العمل وتسخير "النفس" من أجل "الأهداف". أولئك هم من غنموا في حياتهم تحقيق أهدافهم كبرت أو صغرت، هم من تنعموا بالنصر على النفس الأمارة بالسوء. فكيف بنا لو انتصرنا على أنفسنا وحرمنا النفس مرادها حاليا كي تناله لاحقا بعد تحقيق الهدف الأعظم؟
كلنا نردد بشكل متواصل؛ النفس أمارة بالسوء، ولكننا ننطقها بألسنتنا وتغيب عن عقولنا ودواخلها أثناء التعامل معها! أناس كثيرون يتقنون في التعامل مع الغير، ولكنهم يسيئون التعامل مع النفس! فتجد عبارة "دلع نفسك" أو "رفه عن نفسك" تتردد بكثرة على ألسنتهم، وكأنهم يكبتون هذه النفس ويحرمونها من شهواتها وملذاتها دوما، وقد حان الوقت لترك المجال قليلا لتعبث وتلهو! فتجد الشخص يستيقظ متأخرا ويلاحق نفسه بين اغتسال وتبديل للملابس؛ والقيادة بسرعة جنونية تزيد من احتمالية وقوع الحوادث "علما أنه لم يصلِّ الفجر بعد" ويصل إلى عمله متأخرا أو لحسن حظه أنه تلاحق نفسه بالحضور في الوقت بالضبط، ومن ثم يقضي ساعتين في "الرواقه" وتصفح البريد والجرائد والمجلات والانترنت و و و ... إلخ ومن ثم يخرج قليلا للتدخين وبعدها يبدأ بإنجاز أعماله التي تخضع دوما لمقياس المزاج فتجده يستقبل المراجعين أو زملائه الموظفين بنفس تفوح كراهية واستكبارا. ولا يرتاح نفسيا بإنجاز أعماله ولا يتعاون مع الزملاء بمساعدتهم أو القيام بمهامه التي ينتظرونها على عجالة من أمرهم كي يقوموا بمهامهم هم أيضا والمتعلقة بإنجازه لعمله، وغالبا ما تجد هذا النوع من أكثر الناس ذما و"غيبة" لرؤسائهم، نعم فهم لا يركزون في عملهم بل أكبر همومهم هي الإدارة وما تعيشه من تخبط بحسب وجهة نظرهم الشخصية، ويقضي آخر ساعات عمله في الخيال الواسع لو كان مديرا ما هي قراراته وما هي تغييراته، نعم فهو أيضا لا يثق بأحد، لأنه أصلا لا يثق في نفسه! وبعد تكرار هذا السيناريو يوميا، تجده يطالب نهاية كل سنة بالترقية والزيادة، ويشكو ويتظلم من ظلم مديره له، رغم أن إنتاجيته طوال سنة هي إنتاجية منطقية لشهر واحد! فما هو المؤهل الذي يمتلكه ليجعله مستحقا للتحفيز! هذا كان مثالا فقط وليس محور الحديث، وغيره من الأمثلة المشابهة كثيرة. يصعب الحصر، ولكن للعقل وجهة نظره!
من هذه وتلك، نجد ان الهمة العالية هي سمة الناجحين، والهمة العالية هي حرمان النفس من هواها، كي تعيش وتنعم لاحقا بالراحة النفسية والطمأنينة الروحية، فتسكن روحك وتطمئن بعد إنجاز الواجب، وترتاح النفس بعد الإبداع في إنجاز المهام، ويكون الإنسان بالهمة العالية قد حقق الهدف المنشود من إنسانيته ووجوده بالحياة بعد أن يكون مرضيا لربه عابدا له لا عاصيا لأوامره ومتواكل عليه!
مخرج:
الناجحون هم أقل الناس ظهورا في جلسات الأصدقاء، وهم أقل الناس حبا للأفلام، وهم أكثر الناس انشغالا بالتعلم والعمل، وتجد تركيزهم ينصب في أعمالهم تاركين شؤون الغير وراء ظهورهم. فأين أنت من الناس؟ هل من الفاشلون المرفهين لأنفسهم دوما؟ أم من المجتهدين ومستثمري أوقاتهم؟
بقلم / راشد بن سعد اليمني